بعض جوانب الاعجاز العلمي في القران الكريم
وردت كلمة السماء والسماوات مرارا وتكرارا في القرآن، وإليك بيانا وتعريفا علميا عنها: يفسر العلم السماء بأنها الكرة الكونية الجامعة لكل الافلاك والنجوم في مجرتنا أى حدود عالمنا المادى، وهذا يوافق تفسير الامام محمد عبده إذ يقول: السماء إسم لما علاك وارتفع فوق رأسك، وأنت إنما تتصور عند سماعك لفظ السماء هذا الكون الذى فوقك، وفيه الشمس والقمر وسائر الكواكب تجرى في مسالكها وتتحرك في مداراتها، وهذا هو السماء، وقد بناه الله أى رفعه وجعل كل كوكب منه لبنة من بناء سقف فيه أو جدران تحيط به، وقد تجاذبت هذه الكواكب السيارة بعضها إلى بعض برباط الجاذبية العامة كما تربط أجزاء البناء الواحد بما يوضع بينها من مواد تتماسك بها.
ومما تجدر الاشارة إليه أن السماء تدل على الفراغ اللانهائى في الكون والذى لا يمكن أن يكون خلوا لا يشغله شئ بل يملاه وسط غير مادى اسمه الاثير وفي هذا الوسط غير المادى تنتقل الطاقات غير المادية مثل موجات اللاسلكى أو الراديو والرادار والضوء والحرارة، ويطلق على هذه الطاقات اسم أمواج الاثير.
وقال تعالى في سورة الانبياء آية - 30
أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والارض كانتا رتقا ففتقناهما(
تفسير علماء الدين: أو لم يعلم الذين كفروا بمحمد عليه السلام وبالقرآن أن السماوات والارض كانتا رتقا لم تنزل منها قطرة من مطر، ولم ينبت على الارض شئ من النبات ملتزقا بعضها على بعض ففرقناهما عن بعض بالمطر والنبات؟
النظرة العلمية: يتفق نص هذه الآية مع أحدث النظريات في نشأة الارض والسماء وذلك أنهما كانتا في أول أمرهما ملتصقين داخل السديم الذى يحتويهما، ثم إنهما انفصلتا نتيجة انفجارات شديدة حدثت داخل السديم وتم الانفتاق المذكور في الآية بعد أن كانتا مرتوقتين أى متصلتين بعضها ببعض وفي ذلك إشارة لما حدث في الكون من انفجارات انتشرت بسببها مادة الكون فيما حولها من فضاء وفراغ انتهت بتكوين مختلف أجرام السماء المختلفة.
وقال تعالى في سورة الواقعة آية - 75، 76
فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه قسم لو تعلمون عظيم.(
تفسير علماء الدين: فأقسم حقا بمساقط النجوم عند غروبها آخر الليل وهى أوقات التهجد والاستغفار وأنه لقسم - لو تفكرون في مدلوله - عظيم الخطر بعيد الاثر.
النظرة العلمية: يقسم المولى تبارك وتعالى بمواقع النجوم لان القسم بمواقعها يوجه الانتباه إلى أن المسافات بين النجوم تبلغ حدودا لا يتصورها الخيال فمثلا نجد أن أقرب نجم إلينا في مجرتنا وهى الشمس تبعد عنا بمقدار 5 ثانية ضوئية بينما النجم الذى يليها في القرب يبعد عنا بمقدار أربع سنوات ضوئية تقريبا، والسنة الضوئية تدل على مدى المسافة التى يقطعها الضوء في سنة كاملة علما بأن سرعد الضوء تساوى 3 ألف كيلومتر في الثانية، ثم إن هناك مدلولا علميا آخر عن مواقع النجوم وهى أن موقع الشمس موقع بالغ الدقة في وضعه لكى تستقيم معه الحياة على كوكبنا الارضى، لانها لو تقدمت عن موضعها الاحالى لاحترقت الارض من شدة حرارتها ولو تأخرت عن موضعها لبردت الارض وتجمدت فيها البحار والمحيطات وتصير غير صالحة لحياة البشر عليها.
ويلى هذه الآية قول الله(أنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون) وهذا القسم للاشادة بشأن القرآن وأنه كثير المنافع وأنه محفوظ في لوح مصون لا يطلع عليه غير المقربين من الملائكة.
وقوله تعالى في سورة الرحمن آية - 19، 20
مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، فبأى آلاء ربكما تكذبان؟
تفسير علماء الدين: أرسل الله البحرين العذب والملح يتجاوران وتتماس سطوحهما وبينهما حاجز من قدرة الله لا يطغى أحدهما على الآخر فيمتزجان، وقد ذهب بعض المفسرين القدماء في تفسير هذه الآية إلى القول بأن المقصود بالبحرين الانهار والبحار ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: وهو الذى مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج، وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا، فبأى نعمة من تعم ربكما تجحدان؟.
النظرة العلمية: تشير هذه الاية إلى نعمة الله على عباده وهى عدم اختلاط مياه البحار المتجاورة بل جعل بينهما قانونا ثابتا يحكم فيهما العلاقة بينهما من حيث الكثافة والملوجة وما فيهما من أحياء مائية كأن بين كل بحر وآخر حاجزا غير ظاهر للعيان لم تقمه يد الانسان ولكن أقامته يد الرحمن ومن عجائب قدرة الله تعالى أنه جعل ماء النهر لا يؤثر في ماء البحر فيغير ملوحته كما لا يؤثر ماء البحر في ماء النهر لان النهر الذى يصب في البحر يكون عادة في مستوى أعلى من مستوى سطح البحر، وتدل المشاهدة على أن مياه نهر الامزون الذى يصب في المحيط الاطلسى تندفع مسافة 2a ميل في المحيط حافظة لعذوبتها طول هذه المسافة، وفي الخليج العربى نجد عيونا من الماء العذب تفيض داخل ماء الخليج الملح بماء عذب.
وقال تعالى في سورة الطارق آية - 11: 12: والسماء ذات الرجع والارض ذات الصدع(إنه لقول فصل وما هو بالهزل)
تفسير علماء الدين: أقسم بالسماء ذات المطر الذى يعود ويتكرر عل الارض ذات الانشقاق عن النبات الذى يخرج منها، إن القرآن فاصل بين الحق والباطل، وليس فيه شائبة من لهو ولعب بل هو الحق لا مرية فيه.
النظرة العلمية: يتجلى إعجاز القرآن في كلماته الحقة التى تنطوى على معان دقيقة وتحمل علما إلهيا لا علما بشريا، ففى قوله تعالى والسماء ذات الرجع أى أنها ترجع وتعيد لارض ما يصعد من بحارها ومحيطاتها من بخار الماء الذى يتجمع مكونا سحبا ثم يتكاثف ويسقط الامطار الغزيرة على الارض كما أقسم سبحانه بالارض ذات الصدع أى التى تتصدع وتتشقق ليخرج منها النبات بعد ارتوائها بماء المطر، كما أنها أيضا ذات الصدوع التى تكونت في باطنها وصارت مكامن تتفجر منها مواد الغاز الطبيعى والبترول وينابيع المياه الكبريتية وكأنها تعيد لنا ما انطوى في باطنها من النبات بعد تحوله وتحلله إلى مواد أخرى.
وقال تعالى في سورة النبأ آية 6(ألم نجعل الارض مهدا والجبال أوتادا)
تفسير علماء الدين: ألم نجعل الارض مهادا أى فراشا ومناما، والجبال أوتادا لها لكى لا تميد بهم
تمكن الانسان بوسائله العلمية المختلفة أن يثبت أن الجزء الصلب من القشرة الارضية يبلغ سمكه 80 كيلومترا، وأن بعض هذه القشرة يرتفع مكونا الجبال وينخفض بعضها ليكون قيعان البحار والمحيطات، وأن وجود الجبال على سطح الكرة الارضية موزعة بدقة وحكمة يساعد على التوازن بين المرتفعات والمنخفضات بحيث لا تميد الارض ولا تضطرب، فكأن هذه الجبال تعمل عمل الاوتاد التى تحفظ توازن الخيمة واستقرارها.
وهناك حقيقة علمية أخرى وصل إليها البحث العلمى في توزيع الجبال واليابس والماء على سطح الارض بنسب أحجامها الحالية علاوة على التوزان بحيث لا تميد الارض ولا تحيد عن موضعها، وهى أنه لو كانت الارض بحجمها الحالى مكونة من الماء بنسبة أكبر لبلغ وزنها أقل مما هي عليه الآن ولما تمكنت من حفظ نسبة بعدها عن الشمس بل لانجذبت إليها واحترقت ولو كان أكثرها مكونا من اليابس لزاد وزنها عما هي عليه الآن ولبعدت عن الشمس البعد الذى لا تتحقق معه الحياة لانها في هذه الحالة تتجمد من شدة البرودة.
وقال تعالى في سورة آل عمران آية - 137(قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)
تفسير علماء الدين: قد مضت من قبلكم أيها المؤمنون سنن الله في الامم المكذبة بإمهالهم ثم أخذهم الله بذنوبهم فتأملوا عواقبهم.
النظرة العلمية: يقرر العلم أنه لا يكفى لتحصيل العلم قراءته ودراسته بل هناك منهجا عمليا للوصول إلى العلم الصحيح هو منهج(السير والنظر) فقى السير مشاهد مختلفة يراها السائر، وفي تأملها تبدو له ملاحظات هامة يجمعها ثم يستقرئها ليستنبط منها القوانين العامة التى تربط بعضها وهذا هو المنهج الاستقرائى الذى توصل إليه بيكون أحد العلماء الانجليز بعد نزول القرآن بألف سنة.
وقال تعالى في سورة هود آية - 7(وهو الذى خلق السماوات والارض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا(
تفسير علماء الدين: والله خلق السماوات والارض وما فيهما في ستة أيام، ومن قبل ذلك لم يكن في الوجود أكثر من عالم الماء ومن فوقه عرش الله، وقد خلق الله هذا الكون ليظهر بالاختبار أحوالكم وأعمالكم ويعلم من يقبل على الله بالطاعة ومن يعرض عن ذلك.
النظرة العلمية: ترد كلمة العرش في اللغة بمعنى سرير الملك، ورب العرش هو الله جل جلاله الذى وسع كرسيه السماوات والارض جميعا، وتعنى كلمة السماء كل ما أظلك وعلاك، وتشمل طبقات الهواء الذى تقل كثافته تدريجا كلما علونا حتى تصل هذه الطبقات العليا إلى مناطق الفراغ الكونى والفضاء اللانهائى حيث تسبح النجوم والكواكب في أفلاكها بنظام دقيق طبقا لقانون الجاذبية، وتوضح هذه الآية الكريمة ما توصلت إليه النظريات الحدينة عن نشأة الارض، وخلاصتها أن أرضنا كانت جزءا متصلا بجرم الشمس ثم انفصلت وابتعدت عنها تبأثير عوامل خارجية طارئة عليها، وبعد انفصالها صارت كرة ملتهبة بداخلها مواد منصهرة لشدة حرارتها، وتحيط بها طبقات كثيفة من غازات وأبخرة أخذت تشع حرارتها الشديدة في الفضاء وتبرد شيئا فشيئا، واقترنت برودتها بانكماشها وتغضن في سطحها أى بارتفاع أجزاء منها وانخفاض أخرى، وهبوط المواد الثقيلة من عناصرها إلى مركز الارض الباطنى وطفو المواد الخفيفة منها حول قشرتها، وقد استغرقت برودة قشرة الارض ملايين سنين التى عبر عنها القرآن بستة أيام، وأيام الله لا يعلم مدى مدتها وأزمانها إلا الله سبحانه وتعالى لانها تحسب بملايين السنين وفي خلال الزمن الطويل الذى استغرقته برودة القشرة الارضية تكاثرت فوقها كتل كثيفة من الغازات والابخرة، مكونة سحبا متراكمة سميكة ظللت الارض بظلمات جو قاتم يتخلله برق ورعد وانهمار للمطر بكميات هائلة من المياه التى غمرت سطح الارض وغمرت جميع المنخفضات في الارض وكونت البحار والمحيطات، كما أنها نسربت إلى الفجوات والانكسارات والشقوق داخل الارض مكونة بها المياه الجوفية، وقد استمر انهمار المطار بدون انقطاع حتى زاد وعلا التلال والهضباب والجبال وغطاها كلها ولم يبق ظاهرا على وجه الارض سوى عالم الماء ولا شئ غيره يحيط بالكرة الارضية من جميع أقطارها، ومعنى ذلك أن الارض قبل أن تقوم عليها الحياة بصورتها الحاضرة من يابس وماء ونبات وحيوان كانت عالما واحدا فقط من الماء يمتد تحت عرش الله المسيطر والمهيمن بسلطانه على الاكوان كلها.
وهذا يذكرنا بكل جلاء ووضوح معنى الآيات التى فيها تسأل يلفت النظر إلى قدرة الله عظمته وحكمته وإرداته في ملكه بقوله تعالى(أءنتم أشد خلقا أم السماء بناها، رفع سمكها فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والارض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبال أرساها متاعا لكم ولانعامكم(
فسبحانه من إله قادر مقتدر خلق فسوى وقدر فهدى وأمرنا بالتفكير والتدبر في مخلوقاته ومصنوعاته كما يقول تعالى في سورة العنكبوت آية - 20
قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق، ثم الله ينشئ النشأة الآخرة، إن الله على كل شئ قدير) وها هو القرآن يدعونا إلى التفكر في بدء الخلق منذ أن تصلبت قشرة الارض الخارجية وتكونت عليها القارات والمحيطات لذلك اجتهد علماء الجيولوجيا أن يقرأوا تاريخ الارض من طبقات الصخور الرسوبية التى تراكمت عليها وفى طياتها الكثير من بقايا الكائنات الحية التى عاشت عليها سواء كانت لحيوان أو نبات وهذه البقايا المتحجرة هى ما نسميه اليوم بالحفريات، وهى في واقعها سجل حافل بتاريخ الخليقة منذ بدايتها، وقد استطاع العلم بوسائله المتقدمة أن يقرأ كثيرا من صفحات هذا السجل ويعرف حقائق كثيرة عن نشأة الارض وتطوراتها خلال الازمنة الجيولوجية.
وقال تعالى في سورة البقرة آية - 29(هو الذى خلق لكم ما في الارض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم).
تفسير علماء الدين: إن الله هو الذى تفضل عليكم بأن خلق لمنفعتكم وفائدتكم كل النعم الموجودة في الارض، ثم توجهت إرادته إلى السماء فجعل منها سبع سماوات فيها ما ترون وما لا ترون والله محيط بكل شئ.
النظرة العلمية: جاء في تفسير علماء الفلك لهذه الآية أنه يصح أن يراد بالسماوات السبع مدارات الكواكب السيارة التى تدور حول الشمس، ويصح أن يراد بها الطبقات المختلفة لما يحيط بالارض، ذلك أن الله تعالى بعد أن أكمل تكوين الارض ودبت الحياة على سطحها وجعل حولها أجواء من طبقات أودع فيها وسائل لوقايتها من أهوال الفضاء الذى يرسل باشعاعات مهلكة وتتهاوى فيه شهب ونيازك مدمرة، وهذه الطبقات لم تعرف خواصها إلا في العصور الحديثة فأنى لمحمد النبى الامى العلم بها؟
وقال تعالى في سورة الانبياء آية - 32(وجعلنا السماء سقفا محفوظا وهم عن آياتها معرضون).
تفسير علماء الدين: وجعلنا السماء فوقهم كالسقف المرفوع، وحفظناها أن تقع، أو يقع ما فيها عليهم، وهم مع ذلك منصرفون عن النظر والاعتبار بآياتنا الدالة على قدرتنا وحكمتنا ورحمتنا.
النظرة العلمية: تقرر هذه الآية الكريمة أن السماوات وما فيها من أجرام حافظة لكيانها ومتماسكة فيما بينها ولا خلل يعتورها ومحفوظة من أن تقع على الارض، هي كل ما علانا وهي تبدأ بالغلاف الهوائى الذى يحمى أهل الارض من كثير من أهوال الفضاء التى لا تستقيم معها الحياة بأى حال، مثل الشهب والنيازك والاشعة الكونية وفوق الارض الغلاف الهوائى الذى تحتفظ به الارض بقوة الجاذبية ولا سبيل إلى فقده في خضم الفضاء المتناهى، وفوق الغلاف الهوائى أجرام السماء على أبعاد مختلفة وتدور دوراتها المنتظمة في أفلاكها منذ أن خلقها الله تعالى